فصل: السنة الأولى من ولاية كافور الإخشيذي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من ولاية كافور الإخشيذي

وهي سنة خمس وخمسين وثلاثمائة‏.‏

فيها أقيم المأتم على الحسين رضي الله عنه في يوم عاشوراء ببغداد على العادة‏.‏

وفيها ورد الخبر بأن ركب الشام ومصر والمغرب من الحجاج أخذوا وهلك أكثرهم ووصل الأقل إلى مصر وتمزق الناس كل ممزق وأخذتهم بنو سليم وكان ركبًا عظيمًا نحو عشرين ألف جمل ومعهم الأمتعة والذهب فمما أخذ لقاضي طرسوس المعروف بالخواتيمي مائة ألف وعشرون ألف دينار‏.‏

وفيها قدم أبو الفوارس محمد بن ناصر الدولة من الأسر إلى ميافارقين كانت أخت ملك الروم أخذته لتفادي به أخاها فنفذ سيف الدولة أخاها في ثلاثمائة إلى حصن الهتاخ فلما شاهد بعضهم بعضًا سرح المسلمون أسيرهم في خمسة فوارس وسرح الروم أسيرهم أبا الفوارس في خمسة فالتقيا في وسط الطريق وتعانقا ثم صار كل واحد إلى أصحابه فترجلوا له وقبلوا الأرض واحتفل سيف الدولة بن حمدان لقدوم ابن أخيه وعمل الأسمطة الهائلة وقدم له الخيل والمماليك والعدد التامة فمن ذلك مائة مملوك بمناطقهم وسيوفهم وخيولهم‏.‏

وفيها جاء الخبر بأن نائب أنطاكية محمد بن موسى الصلحي أخذ الأموال التي في خزائن أنطاكية وخرج بها كأنه متوجه إلى سيف الدولة بن حمدان فدخل بلاد الروم مرتدًا‏.‏

وقيل‏:‏ إنه كان عزم على تسليم أنطاكية إلى الروم فلم يمكنه ذلك لاجتماع أهل البلد على ضبطه فخشي أن ينم خبره إلى سيف الدولة فيتلفه فهرب بالأموال‏.‏

وفيها قدم الغزاة الخراسانية من الغزو إلى ميافارقين فتلقاهم أبو المعالي بن سيف الدولة وبالغ في إكرامهم بالأطعمة والعلوفات‏.‏

وكان رئيس الغزاة المذكورين محمد بن عيسى‏.‏

وفيها سار طاغية الروم بجموعه إلى الشام فعاث وأفسد وأقام به نحو خمسين يومًا فبعث سيف الدولة يستنجد أخاه ناصر الدولة لبعده ووقع لسيف الدولة مع الروم حروب ووقائع كثيرة‏.‏

وفيها توفي محمد بن عمر بن محمد بن سالم أبو بكر بن الجعابي التميمي البغدادي الحافظ قاضي الموصل سمع الكثير ورحل وكان حافظ زمانه‏.‏

صحب أبا العباس بن عقدة وصنف الأبواب والشيوخ والتاريخ وكان يتشيع وروى عنه الدارقطني وأبو حفص بن شاهين والحاكم أبو عبد الله وآخرون آخرهم وفاة أبو نعيم الحافظ‏.‏

ومولده في صفر سنة أربع وثمانين ومائتين‏.‏

قال أبو علي الحافظ النيسابوري‏:‏ ما رأيت في المشايخ أحفظ من عبدان ولا رأيت في أصحابنا أحفظ من أبي بكر بن الجعابي‏!‏‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسين بن علي بن الحسن الأنباري الشاعر المشهور كان انتقل إلى نيسابور فسكنها إلى أن مات بها في شهر رمضان‏.‏

وكان من فحول الشعراء‏.‏

ومن شعره وقد رأيته لغيره‏:‏ تبكي بعين بغير دمع وابكي بدمع بغير عين ويعجبني في هذا قول أمير المؤمنين عبد الله بن المعتز‏:‏ بكت عيني غداة البين حزنًا وأخرى بالبكا بخلت علينا فعاقبت التي بخلت بدمع بأن غمضتها يوم التقينا ومما يجيش ببالي أيضًا في هذا المعنى قول القائل ولم أدر لمن هو غير أنني أحفظه قديمًا‏:‏ قالت سعاد أتبكي بالدمع بعد الدماء فقلت قد شاب دمعي من طول عمر بكائي الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو الحسن علي بن الحسن بن علان الحراني الحافظ يوم النحر وأبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سالم التميمي بن الجعابي وأبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس وعالمها ومفتيها‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وثماني أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعًا وتسع عشرة إصبعًا‏.‏

فيها عملت الرافضة المأتم في يوم عاشوراء ببغداد على العادة‏.‏

وفيها مات السلطان معز الدولة بن بويه الآتي ذكره وتولى مملكة العراق من بعده ابنه عز الدولة بختيار بن أحمد بن بويه‏.‏

وفيها قبض على الملك ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان ولده أبو تغلب لأن أخلاقه ساءت وظلم وقتل جماعة وشتم أولاده وتزايد أمره فقبض عليه ولده المذكور بمشورة رجال الدولة في جمادى الأولى وبعثه إلى القلعة ورتب له كل ما يحتاج إليه ووسع عليه‏.‏

وفيها توفي السلطان معز الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه بن فناخسرو بن تمام بن كوهي كان أبوه بويه يصطاد السمك وكان ولده هذا ربما احتطب وقد تقدم ذكر ذلك كله في محله في هذا الكتاب فآل أمره إلى الملك‏.‏

وكان قدومه إلى بغداد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وكان موته بالبطن فعهد إلى ولده عز الدولة أبي منصور بختيار وكان الرفض في أيامه ظاهرًا ببغداد ويقال‏:‏ إنه تاب قبل موته وتصدق وأعتق‏.‏

قلت‏:‏ وجميع بني بويه على هذا المذهب القبيح غير أنهم لا يفشون ذلك خوفًا على الملك‏.‏

ومات معز الدولة في سابع عشر شهر ربيع الآخر عن ثلاث وخمسين سنة وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة‏.‏

وكان قد رد المواريث إلى ذوي الأرحام‏.‏

ويقال‏:‏ إنه من ذرية سابور في الأكتاف وهو أخو ركن الدولة الحسن وعماد الدولة علي‏.‏

وكان معز الدولة يعرف بالأقطع كان أصابته جراح طارت بيده اليسرى وبعض أصابع اليمنى‏.‏

وهو عم عضد الدولة الآتي ذكره أيضًا‏.‏

وفيها توفي علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم الإمام العلامة أبو الفرج الأصبهاني الكاتب مصنف كتاب الأغاني وغيره سمع الحديث وتفقه وبرع واستوطن بغداد من صباه وكان من أعيان أدبائها كان أخباريًا نسابة شاعرًا ظاهرًا بالتشيع‏.‏

قال أبو علي التنوخي‏:‏ كان أبو الفرج يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والمسندات والأنساب ما لم أر قط مثله ويحفظ سوى ذلك من علوم أخر منها‏:‏ اللغة والنحو والمغازي والسير‏.‏

قلت‏:‏ وكتاب الأغاني في غاية الحسن‏.‏

وكان منقطعًا إلى الوزير المهلبي وله فيه غرر مديح وله فيه من جملة قصيده يهنئه بمولود من سرية رومية‏:‏ اسعد بمولود أتاك مباركًا كالبدر أشرق جنح ليل مقمر سعد لوقت سعادة جاءت به أم حصان من بنات الأصفر متبحبح في ذروتي شرف العلا بين المهلب منتماه وقيصر شمس الضحى قرنت إلى بدر الدجى حتى إذا اجتمعا أتت بالمشتري وشعره كثير ومحاسنه مشهورة‏.‏

ولادته في سنة أربع وثمانين ومائتين وهي السنة التي مات فيها البحتري الشاعر‏.‏

ومات في يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة‏.‏

وفيها توفي سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن غطيف بن محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب التغلبي ومولده في يوم الأحد سابع عشر ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثمائة وقيل‏:‏ سنة إحدى وثلاثمائة قال أبو منصور الثعالبي‏:‏ كان بنو حمدان ملوكًا وأمراء أوجههم للصباحة وألسنتهم للفصاحة وأيديهم للسماحة وعقولهم للرجاحة وسيف الدولة مشهور بسيادتهم وواسطه قلادتهم‏.‏

وحضرته مقصد الوفود ومطلع الجود وقبلة الآمال ومحط الرحال وموسم الأدباء وحلبة الشعراء‏.‏

وكان سيف الدولة ملكًا شجاعًا مقدامًا كريمًا شاعرًا فصيحًا ممدحًا‏.‏

وقصده الشعراء من الآفاق ومدحه المتنبي بغرر المدائح‏.‏

ومن شعر سيف الدولة في قوس قزح‏:‏ وساق صبيح للصبوح دعوته فقام وفي أجفانه سنة الغمض يطوف بكاسات العقار كأنجم فمن بين منقض علينا ومنفض وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفًا على الجو دكنًا والحواشي على الأرض يطرزها قوس السحاب بأصفر على أحمر في أخضر إثر مبيض كأذيال خود أقبلت في غلائل مصبغة والبعض أقصر من بعض قال ابن خلكان‏:‏ وهذا من التشبيهات الملوكية التي لا يكاد يحضر مثلها للسوقة‏.‏

ويحكى أن ابن عمه أبا فراس الأمير الشاعر كان يومًا بين يدي سيف الدولة في نفر من ندمائه فقال لهم سيف الدولة‏:‏ أيكم يجيز قولي وليس له إلا سيدي يعني ابن عمه أبا فراس المذكور وقال‏:‏ مجزوء الخفيف لك جسمي تعله فدمي لم تحله فارتجل أبو فراس وقال‏:‏ قال إن كنت مالكًا فلي الأمر كله فاستحسنه وأعطاه ضيعة بأعمال منبج تغل ألفي دينار في كل سنة‏.‏

ومن شعر سيف الدولة أيضًا‏:‏ تجنى علي الذنب والذنب ذنبه وعاتبني ظلمًا وفي شقه العتب وأعرض لما صار قلبي بكفه فهلا جفاني حين كان لي القلب إذا برم المولى بخدمة عبده تجنى له ذنبًا وإن لم يكن ذنب وله‏:‏ أقبله على جزع كشرب الطائر الفزع فصادف خلسة فدنًا ولم يلتذ بالجرع وأما ما قيل في سيف الدولة من المديح فكثير يضيق هذا المحل عن ذكر شيء منه‏.‏

وكانت وفاته يوم الجمعة في ثالث ساعة وقيل‏:‏ رابع ساعة لخمس بقين من صفر بحلب‏.‏

ونقل إلى ميافارقين ودفن في تربة أمه وهي داخل البلد‏.‏

وكان مرضه بعسر البول‏.‏

وكان قد جمع من نفض الغبار الذي يجتمع عليه في غزواته شيئًا وجعله لبنة بقدر الكف وأوصى أن يوضع خده عليها في لحده فنفذت وصيته في ذلك‏.‏

وكان ملك حلب في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة انتزعها من يد أحمد بن سعيد الكلابي صاحب الإخشيذ وكان قبل ذلك ملك واسط وتلك النواحي‏.‏

وفيها توفي جعفر بن محمد بن الحارث الشيخ أبو محمد المراغي المحدث المشهور كان فاضلًا راوية للشعر‏.‏

قال‏:‏ أنشدني منصور بن إسماعيل الفقيه‏:‏ لي حيلة فيمن ب - - نم وليس في الكذاب حيله من كان يخلق ما يقو - - ل فحيلتي فيه قليله أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة اثنتا عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

وهي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وهي التي مات فيها كافور المذكور حسب ما تقدم ذكره‏.‏

فيها عملت الرافضة مأتم الحسين بن علي في بغداد على العادة في كل سنة في يوم عاشوراء‏.‏

وفيها لم يحج أحد من الشام ولا من مصر‏.‏

وفيها في ذي القعدة أقبل تقفور عظيم الروم بجيوشه إلى الشام فخرج من دربند ونازل أنطاكية فلم يلتفتوا إليه فقال‏:‏ أرحل وأخرب الشام ثم أعود إليكم من الساحل ورحل ونازل معرة مصرين فأخذها وغدر بهم وأسر منهم أربعة آلاف وستمائة نسمة‏.‏

ثم نزل على معرة النعمان فأحرق جامعها وكان الناس قد هربوا في كل وجه إلى الحصون والبراري والجبال‏.‏

ثم سار إلى كفرطاب وشيزر ثم إلى حماة وحمص وخرج من بقي بها فأمنهم ودخلها وصلى في البيعة وأخذ منها رأس يحيى بن زكريا وأحرق الجامع‏.‏

ثم سار إلى عرقة فافتتحها ثم سار إلى طرابلس فأخذ ربضها‏.‏

وأقام في الشام أكثر من شهرين ورجع فأرضاه أهل أنطاكية بمال عظيم‏.‏

وفيها تزوج عز الدولة بختيار بن معز الدولة أحمد بن بويه بابنة عسكر الرومي الكردي على صداق مائة ألف دينار‏.‏

وفيها قتل أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان التغلبي العدوي الأمير الشاعر الفصيح تقدم بقية نسبه في ترجمة ابن عمه سيف الدولة بن حمدان ومولده بمنبج في سنة عشرين وثلاثمائة وكان يتنقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه سيف الدولة بن حمدان وكان من الشجعان والشعراء المفلقين وديوان شعره موجود‏.‏

ومن شعره قصيدة‏:‏ رأيت الشيب لاح فقلت أهلًا وودعت الغواية والشبابا وما إن شبت من كبر ولكن لقيت من الأحبة ما أشابا وله أيضًا‏:‏ من يتمن العمر فليدرع صبرًا على فقد أحبائه ومن يؤجل ير في نفسه ما يتمناه لأعدائه وفيها توفي حمزة بن محمد بن علي بن العباس الحافظ أبو القاسم الكناني المصري سمع الكثير ورحل وطوف وجمع وصنف وروى عنه ابن منده والدارقطني والحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي وغيرهم‏.‏

وقال ابن منده‏:‏ سمعت حمزة بن محمد الحافظ يقول‏:‏ كنت أكتب الحديث فلا أكتب وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي‏:‏ ‏"‏ أما تختم الصلاة علي في كتابك ‏"‏ الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي بمصر وأبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي وحمزة بن محمد أبو القاسم الكناني بمصر وأبو العباس عبد الله بن الحسين النضري المروزي في شعبان عن سبع وتسعين سنة وعمر بن جعفر البصري الحافظ وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن محرم المحتسب وأبو سليمان محمد بن الحسين الحراني وأبو علي محمد أبن محمد بن عبد الحميد بن خالد بن إسحاق بن آدم الفزاري‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع واحدة وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

ولاية أحمد بن علي بن الإخشيذ هو أحمد بن علي بن الإخشيذ محمد بن طغج بن جف الأمير أبو الحسن التركي الفرغاني المصري‏.‏

ولي سلطنة مصر بعد موت مولى جده كافور الإخشيذي في العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وهو يوم مات كافور وسنه يوم ولي إحدى عشرة سنة وصار الحسن بن عبيد الله بن طغج أعني ابن عم أبيه خليفته وأبو الفضل جعفر بن الفرات وزيره ومعهما أيضًا سمول الإخشيذي مدبر العساكر‏.‏

فأساء أبو الفضل جعفر بن الفرات السيرة وقبض على جماعة وصادرهم منهم يعقوب بن كلس الآتي ذكره فهرب يعقوب بن كلس المذكور إلى المغرب وهو من أكبر أسباب حركة المعز وإرسال جوهر القائد إلى الديار المصرية‏.‏

ولما زاد أمر ابن الفرات اختلف عليه الجند واضطربت أمور الديار المصرية على ما سنذكره بعد أن نذكر مقالة ابن خلكان إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وكان عمر أبي الفوارس أحمد بن علي بن الإخشيذ يوم ولي إحدى عشرة سنة وجعل الجند خليفته في تدبير أموره أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج بن جف وهو ابن عم أبيه وكان صاحب الرملة من بلاد الشام وهو الذي مدحه المتنبي بقصيدته التي أولها‏:‏ أنا لائمي إن كنت وقت اللوائم علمت بما بي بين تلك المعالم وقال في مخلصها‏:‏ إذا صلت لم أترك مصالًا لفاتك وإن قلت لم أترك مقالًا لعالم وإلا فخانتني القوافي وعاقني عن ابن عبيد الله ضعف العزائم ومنها‏:‏ أرى دون ما بين الفرات وبرقة ضرابًا يمشي الخيل فوق الجماجم وطعن غطاريف كأن أكفهم عرفن الردينيات قبل المعاصم هم المحسنون الكر في حومة الوغى وأحسن منه كرهم في المكارم وهم يحسنون العفو عن كل مذنب ويحتملون الغرم عن كل غارم قال‏:‏ ولما تقرر الأمر على هذه القاعدة تزوج الحسن بن عبيد الله فاطمة ابنة عمه الإخشيذ ودعوا له على المنابر بعد أبي الفوارس أحمد بن علي صاحب الترجمة‏.‏

قال‏:‏ والحسن بالشام‏.‏

واستمر الحال على ذلك إلى ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شعبان من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ودخل إلى مصر رايات المغاربة الواصلين صحبة القائد جوهر المعزي وانقرضت الدولة الإخشيذية من مصر‏.‏

وكانت مدتها أربعًا وثلاثين سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا‏.‏

وكان قد قدم الحسن بن عبيد الله من الشام منهزمًا من القرامطة لما استولوا على الشام‏.‏

ودخل الحسن على ابنة عمه التي تزوجها وحكم بمصر وتصرف وقبض على الوزير جعفر بن الفرات وصادره وعذبه ثم سار إلى الشام في مستهل شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة‏.‏

ولما سير القائد جوهر جعفر بن فلاح إلى الشام وملك البلاد أسر ابن فلاح المذكور أبا محمد الحسن بن عبيد الله بن طغج وسيره إلى مصر مع جماعة من الأمراء إلى جوهر القائد ودخلوا إلى مصر في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

وكان الحسن بن عبيد الله قد أساء إلى أهل مصر في مدة ولايته عليهم فلما وصلوا إلى مصر تركوهم وقوفًا مشهورين مقدار خمس ساعات والناس ينظرون إليهم وشمت بهم من في نفسه منهم شيء ثم أنزلوا إلى مضرب القائد جوهر وجعلوا مع المعتقلين من آل الإخشيذ‏.‏

ثم في السابع عشر من جمادى الأولى أرسل القائد جوهر ولده جعفرًا إلى مولاه المعز ومعه هدايا عظيمة تجل عن الوصف وأرسل معه المأسورين الواصلين من الشام وفيهم الحسن بن عبيد الله وحملوا في مركب بالنيل وجوهر ينظرهم وانقلب المركب فصاح الحسن بن عبيد الله على القائد جوهر‏:‏ يا أبا الحسن أتريد أن تغرقنا فاعتذر إليه وأظهر له التوجع ثم نقلوا إلى مركب آخر‏.‏

انتهى كلام ابن خلكان باختصار‏.‏

ولم يذكر ابن خلكان أمر أحمد بن علي بن الإخشيذ أعني صاحب الترجمة وأظن ذلك لصغر سنه‏.‏

وقال غير ابن خلكان في أمر انقراض دولة بني الإخشيذ وجهًا آخر وهو أن الجند لما اختلفوا على الوزير أبي الفضل بن الفرات وطلب منه الأتراك الإخشيذية والكافورية ما لا قدرة له به من المال ولم تحمل إليه أموال الضمانات قاتلوه ونهبت داره ودور جماعة من حواشيه‏.‏

ثم كتب جماعة منهم إلى المعز العبيدي بالمغرب يستدعونه ويطلبون منه إنفاذ العساكر إلى مصر وفي أثناء ذلك قدم الحسن بن عبيد الله بن طغج من الشام منهزمًا من القرامطة ودخل على ابنة عمه وقبض على الوزير أبي الفضل جعفر بن الفرات لسوء سيرته ولشكوى الجند منه فعذبه وصادره وتولى الحسن بن عبيد الله تدبير مصر بنفسه ثلاثة أشهر واستوزر كاتبه الحسن بن جابر الرياحي ثم أطلق الوزير جعفر بن الفرات من محبسه بوساطة الشريف أبي جعفر مسلم الحسيني وفوض إليه أمر مصر ثانيًا كل ذلك وأحمد بن علي صاحب الترجمة ليس له من الأمر إلا مجرد الاسم فقط‏.‏

ثم سافر الحسن بن عبيد الله بن طغج من مصر إلى الشام في مستهل شهر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وبعد مسيره بمدة يسيرة في جمادى الآخرة من السنة وصل الخبر بمسير عسكر المعز صحبة جوهر القائد الرومي إلى مصر فجمع الوزير جعفر بن الفرات أنصاره واستشارهم فيما يعتمد فاتفق الرأي على أمر فلم يتم‏.‏

وقدم جوهر القائد إلى الديار المصرية بعد أمور نذكرها في ترجمته إن شاء الله تعالى وزالت دولة بني الإخشيذ من مصر وانقطع الدعاء منها لبني العباس‏.‏

وكانت مدة دولة الإخشيذ وبنيه بمصر أربعًا وثلاثين سنة وأربعة وعشرين يومًا منها دولة أحمد بن علي هذا أعني أيام سلطته بمصر سنة واحدة وثلاثة أشهر إلا ثلاثة أيام‏.‏

وكانت مدة الدعاء لبني العباس بمصر منذ ابتدأت لدولة بني العباس إلى أن قدم القائد جوهر المعزي وخطب باسم مولاه المعز معد العبيدي الفاطمي مائتي سنة وخمسًا وعشرين سنة‏.‏

ومنذ افتتحت مصر إلى أن انتقل كرسي الإمارة منها إلى القائد جوهر ثلاثمائة سنة وتسعًا وثلاثين سنة‏.‏

انتهت ترجمة أحمد بن علي ابن الإخشيذ‏.‏

بن علي بن الإخشيذ على مصر وكانت ولايته في جمادى الأولى من السنة الماضية غير أننا ذكرنا تلك السنة في ترجمة كافور ونذكر هذه السنة في ولاية أحمد هذا على أن القائد جوهرًا حكم في آخرها وليس ما نحن فيه من ذكر السنين على التحرير وإنما المقصود ذكر الحوادث على أي وجه كان‏.‏

وهذه السنة هي ثمان وخمسين وثلاثمائة‏.‏

فيها عملت الرافضة المأتم في يوم عاشوراء ببغداد وزادوا في النوح وتعليق المسوح ثم عيدوا يوم الغدير‏.‏

وفيها كان القحط ببغداد وأبيع الكر بتسعين دينارًا‏.‏

وفيها ملك جوهر القائد العبيدي مصر وخطب لبني عبيد المغاربة وانقطع الدعاء لبني العباس من مصر حسب ما ذكرناه في ترجمة أحمد بن علي ابن الإخشيذ هذا‏.‏

وفيها حج بالناس من العراق الشريف أبو أحمد الموسوي والد الرضي والمرتضى‏.‏

وفيها ولي إمرة دمشق الحسن بن عبيد الله بن طغج ابن أخي الإخشيذ فأقام بها شهورًا ثم رحل في شعبان واستناب بها سمول الكافوري ثم سار الحسن إلى الرملة فالتقى مع ابن فلاح مقدمة جوهر القائد في ذي الحجة بالرملة فانهزم جيشه‏.‏

وأخذ أسيرًا وفيها عصي جند حلب على ابن سيف الدولة فجاء من ميافارقين ونازل حلب وبقي القتال عليها مدة‏.‏

وفيها استولى الرعيلي على أنطاكية وهو رجل غير أمير وإنما هو من الشطار وانضم عليه جماعة فقوي أمره بهم فجاءت الروم ونزلوا على أنطاكية وأخذوها في ليلة واحدة وهرب الرعيلي من باب البحر هو وخمسة آلاف إنسان ونجوا إلى الشام وكان أخذها في ذي الحجة من هذه السنة وأسر الروم أهلها وقتلوا جماعة كثيرة‏.‏

وفيها جاء القائد جعفر بن فلاح مقدمة القائد جوهر العبيدي المعزي إلى الشام فحاربه أميرها الشريف ابن أبي يعلى فانهزم الشريف وأسره جعفر بن فلاح وتملك دمشق‏.‏

وفيها توفي ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان تقدم بقية نسبه في ترجمة أخيه سيف الدولة كان ناصر الدولة صاحب الموصل ونواحيها وكان أخوه سيف الدولة يتأدب معه وكان هو أيضًا شديد المحبة لسيف الدولة‏.‏

فلما مات سيف الدولة تغيرت أحواله لحزنه عليه وساءت أخلاقه وضعف عقله فقبض عليه ابنه أبو تغلب الغضنفر بمشورة الأمراء وحبسه مكرمًا حسب ما ذكرناه فلم يزل محبوسًا إلى أن مات في شهر ربيع الأول‏.‏

وقيل‏:‏ إن ناصر الدولة هذا كان وقع بينه وبين أخيه سيف الدولة وحشة فكتب إليه سيف الدولة وكان رضيت لك العليا وقد كنت أهلها وقلت لهم‏:‏ بيني وبين أخي فرق ولم يك بي عنها نكول وإنما تجافيت عن حقي فتم لك الحق ولا بد لي من أن أكون مصليًا إذا كنت أرضى أن يكون لك السبق وفيها توفي سابور بن أبي طاهر القرمطي في ذي الحجة كان طالب قبل موته عمومته بتسليم الأمر إليه فحبسوه فأقام في الحبس أيامًا ثم خرج من الحبس وعمل في ذي الحجة ببغداد غدير خم على ما جرت به العادة ثم مات بعد مدة يسيرة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن الراضي بالله بعد أن طالت علته بمرض البواسير‏.‏

وفيها توفي محمد بن أحمد بن جعفر الشيخ أبو بكر البيهقي كان من كبار مشايخ نيسابور في زمانه‏.‏

سئل عن الفتوة فقال‏:‏ هي حسن الخلق وبذل المعروف‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التغلبي صاحب الموصل وكان أسن من سيف الدولة والحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي وأبو القاسم زيد بن علي بن أبي بلال الكوفي ومحمد بن معاوية الأموي القرطبي في شهر رجب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ ولاية جوهر القائد الرومي المعزي هو أبو الحسن جوهر بن عبد الله القائد المعزي المعروف بالكاتب مولى المعز لدين الله أبي تميم معد العبيدي الفاطمي‏.‏

كان خصيصًا عند أستاذه المعز وكان من كبار قواده ثم جهزه أستاذه المعز إلى أخذ مصر بعد موت الأستاذ كافور الإخشيدي وأرسل معه العساكر وهو المقدم على الجميع وكان رحيله من إفريقية في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وتسلم مصر في يوم الثلاثاء ثامن عشر شعبان من السنة‏.‏

على ما سنحكيه‏.‏

ولما دخل مصر صعد المنبر يوم الجمعة خطيبًا وخطب ودعا لمولاه المعز بإفريقية وذلك في نصف شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة المذكورة‏.‏

وكان المعز لما ندب جوهرًا هذا إلى التوجه إلى الديار المصرية أصحبه من الأموال والخزائن ما لا يحصى وأطلق يده في جميع ذلك وأفرغ الذهب في صور الأرحاء وحملها على الجمال لعظم ذلك في قلوب الناس‏.‏

وقال في رحيله من القيروان شاعر الأندلس محمد بن هانىء قصيدته المشهورة في جوهر وهي‏:‏ رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع وقد راعني يوم من الحشر أروع غداة كأن الأفق سد بمثله فعاد غروب الشمس من حيث تطلع ألا إن هذا حشد من لم يذق له غرار الكرى جفن ولا بات يهجع إذا حل في أرض بناها مدائنا وإن سار عن أرض غدت وهي بلقع تحل بيوت المال حيث محله وجم العطايا والرواق المرفع وكبرت الفرسان لله إذ بدا وظل السلاح المنتضى يتقعقع وعب عباب الموكب الفخم حوله وزف كما زف الصباح الملمع رحلت إلى الفسطاط أول رحلة بأيمن فأل في الذي أنت تجمع فإن يك في مصر ظماء لمورد فقد جاءهم نيل سوى النيل يهرع ويممهم من لا يغار بنعمة فيسلبهم لكن يزيد فيوسع ولما استولى على مصر أرسل جوهر هذا يهنئ مولاه المعز بذلك فقال ابن هانىء المذكور أيضًا في ذلك‏:‏ يقول بنو العباس هل فتحت مصر فقل لبني العباس قد قضي الأمر وقد جاوز الإسكندرية جوهر تصاحبه البشرى ويقدمه النصر دخول جوهر إلى الديار المصرية وكيف ملكها قال غير واحد‏:‏ كان قد انخرم نظام مصر بعد موت كافور الإخشيدي لما قام على مصر أحمد بن علي بن الإخشيذ وهو صغير فصار ينوب عنه ابن عم أبيه الحسن بن عبيد الله بن طغج والوزير يومئذ جعفر بن الفرات فقلت الأموال على الجند فكتب جماعة منهم إلى المعز لدين الله معد وهو بالمغرب يطلبون منه عسكرًا ليسلموا إليه مصر فجهز المعز جوهرًا هذا بالجيوش والسلاح في نحو ألف فارس أو أكثر فسار جوهر حتى نزل بجيوشه إلى تروجة بقرب الإسكندرية وأرسل إلى أهل مصر فأجابوه بطلب الأمان وتقرير أملاكهم لهم فأجابهم جوهر إلى ذلك وكتب لهم العهد‏.‏

فعلم الإخشيذية بذلك فتأهبوا لقتال جوهر المذكور فجاءتهم من عند جوهر الكتب والعهود بالأمان فاختلفت كلمتهم ثم اجتمعوا على قتاله وأمروا عليهم ابن الشويزاني وتوجهوا لقتاله نحو الجيزة وحفظوا الجسور فوصل جوهر إلى الجيزة ووقع بينهم القتال في حادي عشر شعبان ودام القتال بينهم مدة ثم سار جوهر إلى منية الصيادين وأخذ مخاضة منية شلقان ووصل إلى جوهر طائفة من العسكر في مراكب فقال جوهر للأمير جعفر بن فلاح‏:‏ لهذا اليوم أرادك المعز لدين الله‏!‏ فعبر عريانًا في سراويل وهو في مركب ومعه الرجال خوضًا والتقى مع المصريين ووقع القتال بينهم وثبت كل من الفريقين فقتل كثير من الإخشيذية وانهزم الباقون بعد قتال شديد‏.‏

ثم أرسلوا يطلبون الأمان من جوهر فأمنهم وحضر رسوله ومعه بند وطاف بالأمان ومنع من النهب فسكن الناس وفتحت الأسواق ودخل جوهر من الغد إلى مصر في طبوله وبنوده وعليه ثوب ديباج مذهب ونزل بالمناخ وهو موضع القاهرة اليوم واختطها وحفر أساس القصر في الليلة وبات المصريون في أمن فلما أصبحوا حضروا لهنائه فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل وكان فيه زورات غير معتدلة فلما شاهد ذلك جوهر لم يعجبه ثم قال‏:‏ قد حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة فلا أغيره ثم تركه‏.‏

ثم كتب جوهر إلى مولاه المعز يبشره بالفتح وبعث إليه برؤوس القتلى وقطع خطبة بني العباس ولبس السواد ولبس الخطباء البياض وأمر أن يقال في الخطبة‏:‏ اللهم صل على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعلى فاطمة البتول وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا‏.‏

وصل على الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله‏.‏

ففعل ذلك وانقطعت دعوة بني العباس في هذه السنة من مصر والحجاز واليمن والشام‏.‏

ولم تزل الدعوة لبني عبيد في هذه الأقطار من هذه السنة إلى سنة خمس وستين وخمسمائة مائتي سنة وثماني سنين على ما يأتي ذكره في خلافة المستضيء العباسي‏.‏

وكان الخليفة في هذه الأيام عند انقطاع خطبة بني العباس من مصر المطيع لله الفضل‏.‏

ومات المطيع ومن بعده سبعة خلفاء من بني العباس ببغداد حتى انقرضت دولة بني عبيد من مصر على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب والخليفة يوم ذاك المستضيء العباسي على ما يأتي ذلك في محله إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم في شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة أذنوا بمصر بحي على خير العمل‏.‏

واستمر ذلك‏.‏

ثم شرع جوهر في بناء جامعه بالقاهرة المعروف بجامع الأزهر وهو أول جامع بنته الرافضة بمصر وفرغ من بنائه في شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة بعد أن كان ابتنى القاهرة كما سيأتي ذكر بنائها في هذه الترجمة أيضًا‏.‏

ولما ملك جوهر مصر كان الحسن بن عبيد الله بن الإخشيذ المقدم ذكره بالشام وهو بيده إلى الرملة فبعث إليه جوهر بالقائد جعفر بن فلاح المقدم ذكره أيضًا فقاتل ابن فلاح حسنًا المذكور بالرملة حتى ظفر به وبعث به إلى مصر حسب ما تقدم ذكره وبعثه القائد جوهر إلى المغرب فكان ذلك آخر العهد به‏.‏

ثم سار جعفر بن فلاح إلى دمشق وملكها بعد أمور وخطب بها للمعز في المحرم سنة تسع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

ثم عاد ابن فلاح إلى الرملة فقام الشريف أبو القاسم إسماعيل بن أبي يعلى بدمشق وقام معه العوام ولبس السواد ودعا للمطيع وأخرج إقبالًا أمير دمشق الذي كان من قبل جوهر القائد فعاد جعفر بن فلاح إلى دمشق في ذي الحجة ونازلها فقاتله أهلها فطاولهم حتى ظفر بهم وهرب الشريف أبو القاسم إلى بغداد على البرية‏.‏

فقال ابن فلاح‏:‏ من أتى به فله مائة ألف درهم فلقيه ابن غلبان العدوي في البرية فقبض عليه وجاء به إلى ابن فلاح فشهره على جمل وعلى رأسه قلنسوة من لبود وفي لحيته ريش مغروز ومن ورائه رجل من المغاربة يوقع به ثم حبسه ثم طلبه ابن فلاح ليلًا وقال له‏:‏ ما حملك على ما صنعت وسأله من ندبه إلى ذلك فقال‏:‏ ما حدثني به أحد إنما هو أمر قدر فرق له جعفر بن فلاح ووعده أنه يكاتب فيه القائد جوهرًا واسترجع المائة ألف درهم من الذين أتوا به وقال لهم‏:‏ لا جزاكم الله خيرًا غدرتم بالرجل‏.‏

وكان ابن فلاح يحب العلويين فأحسن إليه وأكرمه‏.‏

واستمر جوهر حاكم الديار المصرية إلى أن قدم إليها مولاه المعز لدين الله معد في يوم الجمعة ثامن شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة فصرف جوهر عن الديار المصرية بأستاذه المعز وصار من عظماء القواد في دولة المعز وغيره‏.‏

ولا زال جوهر على ذلك إلى أن مات في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ورثاه الشعراء‏.‏

وكان جوهر حسن السيرة في الرعية عادلًا عاقلًا شجاعًا مدبرًا‏.‏

قال ابن خلكان رضي الله عنه‏:‏ توفي يوم الخميس لعشر بقين من ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة‏.‏

وكان ولده الحسين بن جوهر قائد القواد للحاكم صاحب مصر ثم نقم عليه فقتله في سنة إحدى وأربعمائة وكان الحسين قد خاف على نفسه من الحاكم فهرب هو وولده وصهره القاضي عبد العزيز بن محمد بن النعمان وكان زوج أخته فأرسل الحاكم من ردهم وطيب قلوبهم وآنسهم مدة‏.‏

ثم حضروا إلى القصر بالقاهرة للخدمة فتقدم الحاكم إلى راشد وكان سيف النقمة فاستصحب عشرة من الغلمان الأتراك فقتلوا الحسين بن جوهر وصهره القاضي وأحضروا رأسيهما إلى بين يدي الحاكم‏.‏

وقد ذكرنا الحسين هنا حتى يعرف بذكره أن جوهرًا المذكور فحل غير خصي بخلاف الخادم بهاء الدين قراقوش والأستاذ كافور الإخشيذي والخادم ريدان وغيرهم‏.‏